الجمعة، 24 مارس 2023

الحملة الصليبية الأولى pdf

الحملة الصليبية الأولى pdf

الحملات الصليبية,مشاركات القراء حول كتاب الحملات الصليبية من أعمال الكاتب د. محمد بن عبد الرحمن العريفي

Webالحملة الصليبية الأولى ، هي أولى الحملات العسكرية التي شنتها قوات أوروبا الغربية لإستعادة مدينة القدس والأراضي المقدسة من سيطرة المسلمين Webتحميل كتاب تاريخ الحملة الصليبية الأولى PDF الرئيسية Reinhold Röhricht الحروب الصليبية تاريخ الحملة الصليبية الأولى هذا الكتاب ملكية عامة نُشر هذا الكتاب برخصة المشاع الإبداعي مع ذكر المؤلف والمصدر تاريخ الحملة الصليبية الأولى Webكتاب الحملة الصليبية الأولى: نصوص ووثائق بقلم قاسم عبده قاسم اتبع فى تحرير هذا الكتاب منهج موضوعى ، إذ قسم الكتاب إلى أربعة أقسام يتناول كل قسم منها موضوعًا من موضوعات الحملة الصليبية الأولى Webتحميل كتاب الحملة الصليبية الأولى pdf الكاتب قاسم عبده قاسم موقع كل الكتب. كتاب الحملة الصليبية الأولى من تأليف قاسم عبده قاسم والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف Webمكتة قولنجيل تهتم بنشر الكتب المصورة وخاصة كتب اللغة العربية وعلومها والعلوم الشرعية ... read more




فقد أرسل صاحب مدينة الرُّها طوروس بن حيطوم الأرمني، الشهير بِـ«طوروس القربُلاط » بالأرمنية : Թորոս կուրապաղատ مندوبًا من قبله إلى بلدوين يطلب منهُ المجيء إليه لِمُؤازرته في حربه مع جيرانه السلاجقة، [72] [la 58] ومن المعروف أنَّ طوروس هذا كان نائبًا لِأمير دمشق تُتُش بن ألب أرسلان ، شقيق السُلطان ملكشاه ، في مدينة الرُّها التابعة لِإمارة دمشق السُلجُوقيَّة، وكان ذلك في شهر شُباط فبراير م. ساهمت هذه العوامل مُجتمعةً في تسريع استغاثة صاحب الرُّها بِالصليبيين، ومهما يكن من أمر، فإنَّ تلك الاستغاثة صادفت هوىً في نفس بلدوين لِما فيها من تحقيقٍ لِأطماعه السياسيَّة، فأسرع إلى الرُّها على رأس ثمانين فارسًا فقط، ووصل إليها في 1 ربيع الأوَّل هـ المُوافق فيه 6 شُباط فبراير م ، [75] فاستقبله الأهالي استقبالًا حافلًا، وتبنَّاه طوروس بِأن لفَّهُ بِردائه تبعًا لِلتقاليد الأرمنيَّة، فعُدَّ بِذلك وريثه وشريكه في الحُكم.


فهبَّ مع فُرسانه الثمانين وبِرفقته جيشٌ من الأرمن، وسار نحو هذه المدينة الحصينة لمُِهاجمتها، ففتحت لهُ أبوابها بعد أن كان السلاجقة قد انسحبوا منها، فدخلها سلمًا. على أنَّ جيشًا سُلجُوقيًّا لم يلبث أن عاد إلى المدينة وانقضَّ على بلدوين ومن معه، فهُزموا شرَّ هزيمة واضطرُّوا إلى الانسحاب، بعد أن لقي ألفٌ من جُند الأرمن مصرعهم في المعركة، مع بعض فُرسان الصليبيين. ويبدو أنَّ الأرمن في الرُّها كانوا مُنقسمين على أنفُسهم، فنقم بعضهم على طوروس بِسبب اعتناقه المذهب الملكاني كما أُسلف واعترافه بِنوعٍ من التبعيَّة لِلإمبراطور البيزنطي، فضلًا عن عجزه عن حماية محاصيلهم ومتاجرهم من غارات السلاجقة، وتعسُّفه في جمع الضرائب والأموال من الناس الخاضعين له. ولم تلبث أن أُتيحت الفُرصة لِأهل الرُّها لِلتعبير عن استيائهم بِوُصُول بلدوين إليهم، [74] فقامت ثورة عارمة في المدينة أُجبر فيها طوروس على التنازل عن الحُكم لِصالح القائد الصليبي، وفي يوم 3 ربيع الآخر هـ المُوافق فيه 9 آذار مارس م ، حاول الأمير الأرمني الهرب من مدينته، فشاهده العوام وانقضوا عليه وقتلوه.


ومهما يكن من أمر، فقد أدَّت ثورة أهالي الرُّها المذكورة إلى أن أصبح بلدوين البولوني سيِّد المدينة وحاكمها وصاحب السُلطان فيها، ففي اليوم التالي لِمصرع طوروس، سارع أعيان الرُّها وأشرافها إلى مُبايعة بلدوين دوقًا عليهم، [la 62] على أنَّهُ اتخذ لِنفسه لقب « قُمَّسُ الرُّها». ولِتُصبح قُمَّسيَّة الرُّها أولى الدُويلات الصليبيَّة التي يُؤسسها اللاتين في المشرق الإسلامي. ولم يكن الإمبراطور الرومي ألكسيوس كومنين في مركزٍ يسمح لهُ بِتأكيد حُقوقه في الرُّها عندئذٍ، لِبُعدها عن مركز قُوَّته، ولذلك فضَّل التغاضي مُؤقتًا عن هذا الخرق لِاتفاقيَّة القُسطنطينيَّة وعن استقلال بلدوين بِالرُّها حتَّى تُمكنه الظُرُوف مُستقبلًا من تأكيد حُقُوق الروم في تلك المنطقة بِصورةٍ عمليَّة. ولم يضطر بلدوين إلى إراقة دماء جُنُوده في سبيل انتزاع المدينة سالِفة الذِكر، إذ سارع أميرها الذي أدرك صُعُوبة الدفاع عن إمارته وعرض على القائد الصليبي شراء سمسياط مُقابل عشرة آلاف دينارٍ ذهبيّ، ولمَّا كان بلدوين قد استولى على خزينة طوروس المليئة بالأموال والنفائس، فإنَّهُ لم يجد صُعُوبةً في تأمين المبلغ المطلوب، وأخذ سميساط دون عناء.


في الوقت الذي كان فيه بلدوين البولوني يعمل في مُحيط الأرمن بِالجزيرة الفُراتيَّة، زحفت بقيَّة الجُيُوش الصليبيَّة على شمال الشَّام قاصدةً أنطاكية ، وهي العاصمة الروميَّة القديمة لِذلك الإقليم. وقد أحدث وُصُول الصليبيين إلى مشارف الشَّام هلعًا كبيرًا في قُلُوب الأهالي، لِأنَّ كثرة أعدادهم وطبيعة زحفهم جعلت الناس يشعرون أنَّهم أمام خطرٍ جديدٍ من نوعٍ غير عادي. وكان ياغي سيانٍ هذا على درجةٍ من الكفاية مكَّنته من اكتساب رضاء تُتُش أمير دمشق، شقيق السُلطان ملكشاه، الذي شكَّلت أنطاكية جُزءًا من أملاكه، حتَّى إذا ما توفَّى تُتُش ظلَّ ياغي سيان مُحتفظًا بِأنطاكية. وهكذا قُدِّر لِذلك الأمير أن يتولَّى الدفاع عن هذه المدينة العتيقة ضدَّ جحافل الصليبيين.


وَهَذَا كُلُّهُ لِقُبْح سَيْرِه يَاغِي سِيَان وَظُلْمِهِ فِي بِلَادِهِ ». أمَّا أنطاكية نفسها فكانت من أقوى مُدُن ذلك العصر تحصينًا بحيثُ لا يُمكن مُقارنتها في مناعتها وقُوَّة تحصينها إلَّا بالقُسطنطينيَّة. ذلك أنَّ الجبال العالية أحاطت بها من جهتيّ الجنوب والشرق، في حين كان يحُدُّها من الغرب مجرى نهر العاصي ، ومن الشمال مُستنقعاتٌ وأحراش، فضلًا عن قلعةٍ حصينةٍ يصعُب الاستيلاء عليها. أمَّا ريموند الصنجيلي والمندوب البابوي أدهمار ومعهما فُرسان پروڤنسة، فاستقرُّوا أيضًا على مقرُبةٍ من باب الكلب، إلى الجهة الغربيَّة منه. وأخيرًا عسكر گودفري البويني في الجهة الشماليَّة الغربيَّة، أي في مُواجهة باب الجنينة. الواضح أنَّهُ سهَّل مُهمَّة الصليبيين ما حدث من خلافاتٍ بين الحُكَّام المُسلمين في الشَّام آنذاك، وهُم ياغي سيان أمير أنطاكية ورضوان بن تُتُش أمير حلب، بِالإضافة إلى النزاعات بين الأخوين رضوان ودقَّاق أمير دمشق.


وتفصيل ذلك أنَّ رضوانًا رغب في انتزاع دمشق من أخيه لشدَّة حُبِّه لها وتفضيله إيَّاها على سائر البلاد، كونه ترعرع فيها ويعرف محاسنها. ولم يلبث أن ترك ياغي سيان جانب رضوان وانضمَّ إلى أخيه وغريمه دقَّاق، وأغراه على أن يُهاجم رضوان في حلب. ولكنَّ دقَّاق فشل هو الآخر في هُجُومه على حلب، على الرُغم من مُساعدة ياغي سيان له. أعدَّ دقَّاق حملةً لِإنقاذ المُسلمين في أنطاكية، ونهض طُغتكين وجناح الدولة لِلمُساعدة؛ وأدرك كربوقا الذي عُدَّ أهم الأُمراء المُسلمين في أعالي الجزيرة الفُراتيَّة، ما يُهدِّد ديار الإسلام كُلِّها من الخطر الصليبي، لِذلك أعدَّ جيشًا كبيرًا لِنجدة أنطاكية، وحشد ياغي سيان في تلك الأثناء كُلَّ ما لديه من أقواتٍ، وشرع في توفير المُؤن استعدادًا لِحصارٍ طويل.


فبالإضافة إلى أنَّهم وقفوا على أوضاع المُسلمين المُتردية، راحوا يبثُّون الطُمأنينة في نُفُوس الفاطميين ويُعطونهم صُورةً غير حقيقيَّة عن مشاريعهم في الشَّام، كما طمأنوا سلاجقة الشَّام بِأنَّهم لا يطمعون إلَّا في استرداد الاماكن والبُلدان التي كانت تابعة لِلبيزنطيين في الماضي، أي الرُّها وأنطاكية واللاذقيَّة. من الأُمُور اللافتة لِلنظر، هو أنَّ المُسلمين ظلُّوا حتَّى ذلك الوقت لا يُدركون طبيعة الحركة الصليبيَّة وهدفها، بِدليل أنَّ الفاطميين في مصر فكَّروا في مشروعٍ لِلتحالف مع تلك القُوَّة الجديدة التي ظهرت في الشَّام، ضدَّ خُصُومهم من أهل السُنَّة والجماعة ، أي العبَّاسيين في بغداد والسلاجقة في الشَّام. وكان صاحب السُلطة الفعليَّة في مصر عندئذٍ هو الوزير الأفضل شاهنشاه ابن بدر الدين الجمالي الذي ظلَّ يحكم البلاد طوال عهد الخليفة الفاطمي المُستعلي بالله والعشرين سنة الأولى من حُكم الخليفة الآمر بِأحكام الله. ورُبَّما استند الأفضل في تفكيره هذا إلى بعض السوابق التاريخيَّة لأنَّ الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة أيَّام صحوتها في القرن العاشر الميلادي لم تتعدَّ أملاكها في الشَّام مدينة أنطاكية، فظنَّ الأفضل أنَّ أولئك الصليبيين إنَّما أتوا لِيفعلوا مثلما فعل نقفور فوقاس ويُوحنَّا زمسكيس قبل ما يزيد عن قرنٍ.


وفي تلك الأثناء كانت سفارةٌ فاطميَّة من قِبل الأفضل قد وصلت إلى مُعسكر الصليبيين أمام أنطاكية. وهُناك في المراجع ما يُشيرُ إلى أنَّ الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين كان قد نصح الصليبيين مُنذُ وُجُودهم في القُسطنطينيَّة، بأن يُحاولوا مُحالفة الفاطميين في مصر، ومع أنَّهُ لا يُوجد أي دليل يُثبت استجابة الصليبيين لِتلك النصيحة في ذلك الوقت، إلَّا أنَّ بعض المراجع اللاتينيَّة أشارت إلى أنَّهم أرسلوا من نيقية سفارةً إلى مصر. عرض الفاطميُّون على الصليبيُّون مشروعًا لِلتحالف تضمَّن البُنُود التالية: يتعاون الطرفان في القضاء على السلاجقة مُقابل أن ينفرد الصليبيين بِحُكم أنطاكية وشماليّ الشَّام، ويحتفظ الفاطميُّون بِبيت المقدس وجنوبيّ الشَّام، على أن يُسمح لِلصليبيين بِزيارة الأماكن المُقدَّسة في فلسطين، وتكون لهم الحُريَّة الكاملة في أداء شعائرهم الدينيَّة على ألَّا تزيد مُدَّة إقامتهم فيها عن شهرٍ واحد، وألَّا يدخُلُوها بِسُيُوفهم. ومهما يكن من أمرٍ فقد صحَّ حساب الأفضل في أوَّل الأمر، لأنَّ السلاجقة كانوا مشغولين بِالغزو الصليبي وإقامة جبهة في الشمال ضدَّ الغربيين الغُزاة، فلم يتمكنوا من إرسال نجدةٍ لِأقربائهم في بيت المقدس ترُدُّ عادية الفاطميين.


وفي الوقت نفسه استفاد الصليبيُّون فائدةً كُبرى من تلك الخُطوة التي اتخذها الفاطميُّون، لِأنَّ تهديد الأفضل لِفلسطين وبيت المقدس سبَّب ارتباكًا لِلسلاجقة في أشد الأوقات حرجًا. هذا فضلًا عن أنَّ السفارة التي أرسلها الفاطميُّون إلى الصليبيين عند أنطاكية، أكسبت أولئك الأخيرين وضعًا سياسيًّا مُعترفًا به في رُكنٍ هامٍّ من أركان ديار الإسلام. لم تمضِ ثلاثة أشهر على بداية حصار أنطاكية حتَّى بدأ الصليبيُّون يُعانون من نقص المُؤن، [la 66] [la 67] فاجتمع زُعماؤهم لِتدبير وسائل الحُصُول عليها، وتقرَّر تشكيل فرقٌ لِسلب ونهب المناطق الريفيَّة المُجاورة وبخاصَّةً في حوض نهر العاصي، والحُصُول على ما تحويه من مُؤنٍ وغذاء. لكنَّ كميَّة الطعام التي كانوا قد نهبوها من قبل في هذه المناطق، أرهقت الموارد المحليَّة، فلم يجدوا ما ينهبونه، كما أنَّ المُسلمين بدأوا يُدافعون عن أرزاقهم بِشكلٍ مُنظَّمٍ، فكانوا ينقضُّون على فرق السلب والنهب ويُقاتلونها، [94] وبادر العديد منهم إلى نقل قُطعانهم ومواشيهم إلى الجبال البعيدة التي لم يكن الصليبيُّون قادرون على التوغُّل فيها، وإن قُدِّر لهم النجاح فإنَّهُ لم يكن من الهيِّن أن يغنموا شيئًا.


وتجمَّعت في غُضُون ذلك نجدةٌ إسلاميَّة قُرب شيزر لِإنقاذ أنطاكية على رأسها دقَّاق وطُغتكين وجناح الدولة حُسين. وعلم هؤلاء بِأنَّ قُوَّةً صليبيَّةً بِقيادة بوهيموند وروبرت قُمَّس الفلمنك شوهدت تزحف على امتداد نهر العاصي بحثًا عن الأقوات، فقرَّروا الاصطدام بها. وفي 23 مُحرَّم هـ المُوافق فيه 31 كانون الأوَّل ديسمبر م ، تقابل الجمعان عند البارة حيثُ دارت بينهما معركة كانت نتيجتها غير واضحة، فقد انسحب المُسلمون بعد أن كبَّدوا الصليبيين خسائر كبيرة وأجبروهم على إيقاف سعيهم وراء المُؤن والعودة إلى أنطاكية. ويبدو أنَّ المُسلمين تفرَّقوا بعد ذلك، فقبع دقَّاق في دمشق هادئًا، وظلَّ مُدَّةً بعد معركة البارة لا يُحاول التدخُّل لِدفع خطر الصليبيين عن أنطاكية.


ولم يتمكَّن رضوان من الاستمرار طويلًا في موقفه السلبي بعد الأحداث العاصفة التي تعرَّض لها شماليّ الشَّام نتيجة احتلال الصليبيين لِلرُّها وحصارهم لِأنطاكية، ومُهاجمتهم لِأعمالها، وعلى الرُغم من علاقته السيِّئة مع ياغي سيان إلَّا أنَّهُ استمرَّ يعُدُّه تابعًا له، وأنَّ أنطاكية هي من أملاكه، كما أنَّ ياغي سيان وجد نفسهُ بِحاجةٍ إلى قُوَّة رضوان لِتُساعده في إنقاذ أنطاكية؛ فأرسل ابنه إلى حلب لِاسترضائه والاعتذار لهُ عمَّا مضى، ويستحثُّه لِلعمل على إنقاذ أنطاكية. أدرك رضوان أخيرًا أنَّهُ لا بُدَّ من تناسي الماضي، وأعلن أسفهُ وحُزنه لِتراخيه وامتناعه عن مُساعدة ياغي سيان الذي أدَّى إلى وُصُول الصليبيين إلى أنطاكية، وقرَّر الإسراع في الخُرُوج لِمُساعدة المدينة، فخرج من حلب على رأس قُوَّةٍ عسكريَّة وتوجَّه إلى أنطاكية، وصحبه سُقمان بن أرتق الذي قدم من ديار بكر، وصهره أمير حماة ، وقُوَّاتٌ من حمص، ومُقاتلون من الأراتقة.


وقضت الخطَّة المُتفق عليها أن تُهاجم هذه الجُيُوش أنطاكية فجأة، ويخرج ياغي سيان في الوقت نفسه من المدينة لِمُهاجمة الصليبيين من الاتجاه المُقابل، وبذلك يقع الغُزاة بين فكيّ الكمَّاشة. وفي يوم 4 ربيع الأوَّل هـ المُوافق فيه 9 شُباط فبراير م ، أضحى المُسلمون على مرأى من الصليبيين الذين بادروهم بِالهُجُوم، وجرى قتالٌ بين الطرفين انتهى بِاندحار المُسلمين الذين تراجعوا إلى قلعة حارم. والواقع أنَّ الصليبيين حشروهم في بُقعةٍ ضيِّقةٍ، بين البُحيرة والنهر، ففقدوا حُريَّة الحركة والانتشار الضروريين لِلانتصار، وعجزوا عن استخدام أساليبهم القتاليَّة المألوفة كإطلاق السهام ثُمَّ الانسحاب بعد ذلك، كما لم يستطيعوا تحمُّل ضغط القتال، وانتهى الأمر بِهزيمتهم وطاردهم الصليبيُّون. وعندما رأت حامية القلعة حرج الموقف لاذ أفرادها بِالفرار بعد أن أشعلوا فيها النيران، وبِذلك استولى الصليبيُّون على حارم يُعاونهم أهلها من السُريان والأرمن. وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المعركة، هاجم ياغي سيان المُعسكرات الصليبيَّة المُحاصرة لِمدينته، ولاح لهُ النصر لولا أن تغيَّر وجه القتال فجأة، فما أن قدم الفُرسان الظافرين يحملون رؤوس ضحاياهم في معركة العمق، حتَّى أدرك ياغي سيان أنَّ الجيش الإسلامي القادم لِنجدته حلَّت به الهزيمة، فانسحب بِرجاله عائدًا إلى داخل المدينة، في حين قذف الصليبيُّون رؤوس القتلى داخل الأسوار لِيعلم ياغي سيان ما حلَّ بِحُلفائه.


وكان المُتسلِّلون في بادئ الأمر عساكر مغمورين، غير أنَّ الظاهرة توسَّعت وصار أعلام الحركة الصليبيَّة من جُملة الهاربين، وفي مُقدِّمتهم أسطفان البلوائي الذي أبحر إلى دياره في فرنسا، وبُطرس الناسك نفسه ووليم النجَّار أمير مولن ، إلى جانب بعض صغار الأُمراء الآخرين. غير أنَّ تانكرد تعقَّبهم وأعادهم إلى المُعسكر جوار أنطاكية، فوبَّخ بوهيموند كُلًا من بُطرس ووليم علنًا لِهُرُوبهما، وأخذ عليهما تعهُّدًا بِعدم ترك الجيش الصليبي حتَّى يتم الاستيلاء على بيت المقدس، في حين عاقب بقيَّة الأُمراء الصغار. تتابع تناقُص وتضاؤل الجيش الصليبي يومًا بعد يوم بِسبب المجاعة والفرار، فرأى المندوب البابوي أدهمار أنَّهُ لا بُدَّ من اِلتماس المُساعدة من الغرب لِإسال إمداداتٍ على وجه السُرعة. وحدث أن كان الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنين يُغيرُ على الأناضول، فأرسل إليه يلتمس المُساعدة منه.


واستبدَّ القلق والضيق بِبوهيموند خاصَّةً لِحرصه وعزمه على الانفراد بِحُكم أنطاكية، فإذا وصل الإمبراطور الرومي قبل سُقُوط المدينة أو إذا لم يتيسَّر هزيمة كربوقا إلَّا بِمُساعدته؛ أضحى من المُستحيل الامتناع عن رد المدينة إليه بِسبب العهد الذي قطعه القائد الصليبي على نفسه في القُسطنطينيَّة، لِذلك قرَّر أن يحصل عليها رُغم إرادة الإمبراطور. ومن الواضح أنَّ هذا كان يعني تعريض الصليبيين جميعًا لِكارثةٍ مُحقَّقة لأنَّ بوهيموند ورجاله صاروا بِمثابة العمود الفقري لِلقُوَّات الصليبيَّة المُحاصرة لِلمدينة، لِذلك أسرع جميع قادة الحملة - فيما عدا ريموند - وتوسَّلوا إلى بوهيموند حتَّى لا يتركهم، ووعدوه بِتسليمه أنطاكية فور الاستيلاء عليها. وكان ذلك هو كُل ما استهدفه بوهيموند من وراء مُناورته، فلم يبقَ لهُ بعد ذلك سوى إظهار مقدرته وكفايته في الاستيلاء على البلد. ونجحت الخطَّة، إذ خشي القائد البيزنطي على حياته، فترك المُعسكر الصليبي ولاذ بِالفرار.


وجاءت الفُرصة التي انتظرها بوهيموند بِخيانةٍ داخليَّةٍ من أحد أهالي أنطاكية، ذلك أنَّ أحد أُمراء الأبراج، المدعو «فيروز الزرَّاد»، راسل القائد الصليبي قائلًا له: « أَنَا فِي الْبُرْجِ الْفُلَانِيّ، وَأَنَا أُسَلِّمُ إلَيْكَ أَنْطَاكِيَة أَن أَمَّنْتَنِي وَأَعطَيتَنِي كَذَا وَكَذَا ». وكان فيروز المذكور حانقًا على ياغي سيان كونه صادر ماله وغلَّته، [] وكان أرمنيًّا أسلم ظاهريًّا، وتقرَّب من ياغي سيان فأصبح أميرًا على ثلاثةٍ من الأبراج الكبيرة، واشتهر بِتقلُّبه وحُبِّه الرفعة والمال، [] فبذل لهُ بوهيموند ما طلب ومنحهُ مالًا وإقطاعًا، [] وكتم أمره عن بقيَّة الصليبيين. أمَّا ياغي سيان، فبعد أن أدرك أنَّ كُلَّ شيءٍ قد ضاع، حاول الفرار مع من فرَّ من المُسلمين، ولكنَّهُ سقط عن حصانه، فانقضَّ عليه بعض الأرمن وقتلوه وحملوا رأسه إلى الصليبيين.


في الوقت الذي كان فيه الصليبيُّون يُحاصرون أنطاكية، أعدَّ قوام الدين كربوقا أمير الموصل جيشًا كبيرًا لِنجدة المدينة، وسانده سُلطانا السلاجقة في فارس والعراق بركياروق ومُحمَّد وقد وعداه بِالمُساعدة، غير أنَّ ما ارتكبه من أخطاءٍ في التقدير هيَّأ لِلصليبيين الفُرصة لِلتنفُّس والراحة، ومكَّنهم من الاستيلاء على أنطاكية، إذ لم يشأ هذا القائد المُسلم أن يزحف مُباشرةً إلى أنطاكية خشية أن ينقضَّ الصليبيُّون في الرُّها على جناح جيشه الأيمن، لِذلك توقَّف أمام المدينة سالِفة الذِكر في مُحاولةٍ لِانتزاعها من يد بلدوين. تخلَّى كربوقا في نهاية شهر أيَّار مايو عن حصاره الفاشل الذي فرضه على الرُّها وراح يحُثُّ الخُطى بِاتجاه أنطاكية، وتوقَّف قليلًا في مرج دابق شماليّ حلب فانضمَّ إليه دقَّاق والأتابك طُغتكين وأرسلانطاش صاحب سنجار وسُقمان بن أرتق، وغيرهم من أُمراء المُسلمين، [] ورفض رضوان الاشتراك بِالحملة بِسبب خلافه مع أخيه دقَّاق، وردَّ عليه كربوقا بِأن ضمَّ جناح الدولة حُسين بن ملاعب صاحب حِمص.


عانى الصليبيُّون كثيرًا من شدَّة الحصار، وتحرَّج موقفهم وعمَّت المجاعة بينهم، وانتشر الوباء في صُفُوفهم، ونفذت أقواتهم، ومات عددٌ كبيرٌ منهم، وبلغوا درجةً من اليأس جعلتهم يُفكِّرون بِالاستسلام، فقال وليم الصوري واصفًا حالهم: « كَمَا كَابَدُوا شَظَف الْعَيْش بِسَبَب الْمَجَاعَة الَّتِي جَاوَزَت كُلَّ حَدٍّ، وَهَكَذَا وَقَعُوا بَيْن خَطْبَين: السَّيْفَ فِي الْخَارِجِ وَالْفَزَع فِي الدَّاخِلِ »، [] وقال ابن الأثير: « وَأَقَام الْفِرِنْج بِأَنطَاكِيَة بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَه، وَتَقَوَّتَ الْأَقْوِيَاءُ بِدَوَابِّهِم وَالضُّعَفَاء بِالْمَيْتَة وَوَرَقِ الشَّجَرِ، فَلَمّا رَأَوْا ذَلِكَ أَرْسَلُوا إلَى كَرْبُوقَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْأَمَان لِيَخْرُجُوا مِنْ الْبَلَدِ، فَلَم يُعْطِهِم مَا طَلَبُوا وَقَالَ: "لَا تُخْرَجُون إلَّا بِالسَّيْفِ" ». وفي وسط تلك الأزمة أخذ كثيرٌ من الفُرسان يُعبِّرون عن ندمهم على ترك بلادهم والحُضُور إلى المشرق، بل لقد جاهر بعضهم بأنَّ أسطفان البلوائي كان على حقٍّ عندما انسحب أثناء حصار الصليبيين لِأنطاكية وقفل راجعًا إلى بلاده.


ولم يبقَ أملٌ لِلصليبيين في أنطاكية لِلخلاص من تلك المحنة التي ألمَّت بهم سوى الاستعانة بِالإمبراطور البيزنطي لِيطعن كربوقا وجيشه من الخلف، لِذلك استنجد الصليبيُّون بِالإمبراطور الذي استجاب لِندائهم وخرج على رأس جيشه قاصدًا أنطاكية مُخترقًا آسيا الصُغرى. وقابل أثناء زحفه أسطفان البلوائي ورفاقه الهاربون، فأخبروه بِأنَّ المُسلمين استردُّوا أنطاكية وعلى وشك إبادة الصليبيين، وأنَّ هُناك جيشًا سُلجُوقيًّا يمضي في زحفه لِقتاله قبل أن يبلغ أنطاكية. ولمَّا لم يكن لِلإمبراطور دوافع تجعلهُ يرتاب في تلك الروايات، أعاد النظر في خططه، فإذا هلك الصليبيُّون فمن المُؤكَّد أنَّ المُسلمين سيمضون في الهُجُوم ما يدفع السلاجقة في الأناضول إلى مُحاولة استرداد ما فقدوه من أراضٍ، لِذلك عاد أدراجه.


وظهرت في هذه الأثناء التي بدا فيها التخاذل واضحًا بين الصليبيين والذي تمثَّل في فرار الجُند واختبائهم في المنازل خوفًا من الاشتراك في القتال؛ بعض الأساطير والرؤى التي هدفت إلى إثارة الحماس الديني وتقوية الروح المعنويَّة المُنهارة بينهم. فكلَّف ثلاثة عشر شخصًا بِحفر المكان الذي عيَّنهُ لهم هذا الأخير، وساعدهم هو نفسه بِالعمل، فعثر على تلك الحربة وأظهرها لِلجميع، فهلَّل الناسُ لِمرآها واعتبروا بأنَّ النصر بات وشيكًا. وليس معنى سوء حال الصليبيين داخل أنطاكية أنَّ المُسلمين تمتعوا بِجبهةٍ مُتماسكة؛ بل على العكس ظلَّ المُسلمون في ذلك الدور الحاسم يُعانون خللًا واضحًا في صُفُوفهم ممَّا عاد عليهم بِالخسارة. ولعلَّ غياب رضوان أمير حلب وعدائه لِأخيه دقَّاق صاحب دمشق الذي رافق كربوقا، كان من العوامل التي خلقت جوًّا من القلق والاستياء في صُفُوف المُسلمين. ولمَّا أحسَّ كربوقا أنَّ مُساعدة رضوان لازمة وضروريَّة في سبيل تحقيق النصر، سعى لِلاتصال به، فتوهَّم دقَّاق من ذلك.


ومن جهةٍ أُخرى فإنَّ أمير حِمص جناح الدولة حُسين بن ملاعب ظلَّ قلقًا من انتقام يُوسُف بن أبق أمير الرحبة ومنبج الذي كان على اتفاقٍ مع رضوان. بل لقد بلغ الأمر بالمُسلمين أمام أنطاكية أن انقسموا على أنفُسهم، فظهر الشقاق بين التُرك والعرب، وجرت بينهما مُناقرة أدَّت إلى مُغادرة العديد منهم، كما تفرَّق كثيرٌ من التُركُمان بِتدبير رضوان الذي راسلهم يدعوهم لِلعودة. شجَّع سُقُوط أنطاكية وهزيمة كربوقا، الصليبيين، فاستأنفوا نشاطهم العسكري ضدَّ المناطق المُحيطة بحلب على شكل غاراتٍ صغيرة. وفي تلك الفترة، خرج عُمر والي أعزاز على سيِّده رضوان صاحب حلب، فأرسل الأخير عسكرًا حاصروا البلدة، فما كان من عُمر إلَّا أن استنجد بالصليبيين، فسار إليه ريموند الصنجيلي بِعسكرٍ كبير، ممَّا دفع جيش رضوان إلى فك الحصار والعودة من حيث أتى، ونهب الصليبيُّون ما قدروا عليه، وعادوا إلى أنطاكية، بعد ما اصطحب ريموند ابن عُمر رهينةً.


وأغار ريموند الصنجيلي في شهر ذي الحجَّة المُوافق لِتشرين الأوَّل أكتوبر على البارة شرقيّ نهر العاصي، بعد أن استولى على كورة الروج. ويبدو أنَّ رضوان لم يبذل جُهدًا في الدفاع عن البارة، فاستسلم سُكَّانُها وسلُّموا مدينتهم لِلصليبيين لقاء الأمان، لكنَّ ريموند غدر بهم، فعاقب الرجال والنساء واستصفى أموالهم وقتل بعضهم وسبى آخرين، وحوَّل المسجد الجامع إلى كنيسة، ثُمَّ سار بمن معهُ من الجُند ومن انضمَّ إليه من الأرمن والسُريان نحو معرَّة النُعمان. وهكذا جدَّ الأهالي في حرب الصليبيين حتَّى أدرك هؤلاء أنَّهم لن يقدروا على اقتحام المدينة إلَّا باستخدام آلات حصار، فعملوا عند ذلك بُرجًا من خشب يُوازي سور المدينة ووقع القتال عليه فلم يتمكنوا بدايةً من تحقيق نصر، لكن ما أن حلَّ الليل خاف قومٌ من المُسلمين وتداخلهم الفشل والهلع وظنُّوا أنَّهم إذا تحصَّنوا ببعض الدُور الكبار امتنعوا بها، فنزلوا من السور وأخلوا الموضع الذي كانوا يحفظونه، فرآهم طائفة أخرى ففعلوا كفعلهم فخلا مكانهم أيضًا من السور ولم تزل تتبع طائفة منهم التي تليها في النُزُول حتَّى خلا السُّور، فصعد الصليبيُّون إليه على السلالم وشقُّوا طريقهم إلى داخل المدينة واستباحوها، وذلك ليلة الأحد 24 مُحرَّم هـ المُوافق فيه 21 كانون الأوَّل ديسمبر م.


غير أنَّ الصليبيين غدروا بهم في اليوم التالي، فاستلُّوا سُيُوفهم وانقضوا على الأهالي وأخذوا يُقتِّلونهم كيفما وجدوهم، فوقعت مذبحة رهيبة دامت ثلاثة أيَّامٍ قُتل فيها أكثر من عشرين ألف رجُلٍ وامرأةٍ وصبيٍّ بحسب تقدير ابن العديم ، ونُهب البلد نهبًا فاحشًا، ولم يسلم إلَّا القليل من أهله، اقتيد بعضهم أسارى وهلك بعضهم الآخر من العطش بعدما منع الصليبيُّون عنهم الماء. يُحتملُ أنَّ الغزوات التي قام بها الصليبيُّون بُعيد سُقُوط أنطاكية، بما فيها احتلال حارم ومُعرَّة النُعمان، لم تكن الغاية منها إلَّا إثبات وُجُودهم وتأمين المُؤن حتَّى يحين الوقت لِلزحف نحو بيت المقدس، ولم تلبث أن تهيَّأت الظُرُوف لِذلك الزحف بانقضاء فصل الصيف واعتدال درجة الحرارة.


وكان الأُمراء الصليبيُّون قد أقسموا بعد هزيمة كربوقا أن يسيروا في شهر تشرين الأوَّل أكتوبر إلى بيت المقدس، فاجتمعوا في 3 ذي الحجَّة المُوافق فيه 1 تشرين الثاني نوڤمبر في أنطاكية لِلتشاور وقرَّروا في 7 ذي الحجَّة المُوافق فيه 5 تشرين الثاني نوڤمبر استئناف الزحف نحو هدفهم الأسمى. وبِذلك أدَّت مُشكلة حُكم المدينة إلى تأزيم الموقف بين الصليبيين والبيزنطيين إضافةً إلى زُعماء الحملة الصليبيَّة أنفُسهم. أثار هذا التهديد مخاوف كُلًا من بوهيموند وريموند فضلًا عن بقيَّة الأُمراء الذين خشوا على مصيرهم وعلى مُستقبل الحملة، لِذلك بدأت المساعي الجديَّة لِلتوصُّل إلى حلٍّ لِتلك الأزمة. وعقد الزُعماء الصليبيُّون اجتماعاتٍ عدَّة في كنيسة القدِّيس بُطرس بِالمدينة لِحسم النزاع بينهما، فعرض بوهيموند على المُجتمعين الاتفاق الذي أبرمه معهم والذي ينُص على تنازلهم عن أنطاكية له، في حين أطلعه ريموند على نص اليمين الذي أقسموه بين يديّ الإمبراطور ألكسيوس كومنين بناءً على نصيحة بوهيموند نفسه، ولكنَّهم لم يصلوا إلى نتيجةٍ إيجابيَّة.


ويبدو أنَّ ريموند أدرك أخيرًا أنَّ القضيَّة طال أمدها، وأنَّهُ لا بُدَّ من وضع حدٍ بسُرعةٍ لها، فدعا الأُمراء إلى الاجتماع به في الروج، وعرض عليهم مبالغ من المال لِيستقطبهم إلى جانبه ويعترفوا به زعيمًا أوحد لِلصليبيين في الشرق، إلَّا أنَّهُ فشل في ذلك، فقد رفض الأُمراء طُروحاته، وعمَّ الاستياء في المُقابل جميع صُفُوف الجُند والفُرسان، فأرغموه على المسير بأن دمَّروا أسوار معرَّة النُعمان، فأدرك عندئذٍ أنَّهُ لم يعد ثمَّة تأجيلٍ وإرجاء، فخرج من معرَّة النُعمان في 17 صفر هـ المُوافق فيه 13 كانون الثاني يناير م على رأس قُوَّاته مُعلنًا الزحف إلى بيت المقدس، وتبعه بقيَّة الصليبيين باستثناء بوهيموند الذي عاد إلى أنطاكية، واختار البقاء فيها لِيُعلن تأسيس إمارة أنطاكية اللاتينيَّة ، أمَّا معرَّة النُعمان فتقرَّر منحها لِأُسقُف البارة. استغلَّ الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه انهماك السلاجقة بِالتصدي لِلصليبيين في شماليّ الشَّام، فنهض لِاستعادة نُفُوذ الفاطميين في جنوبها ظنًّا منه أنَّهُ بات من اليسير تحقيق مكاسب سريعة على حساب السلاجقة، وكان قد استولى على صور في سنة هـ المُوافقة لِسنة م ، بعد أن أعلن واليها «كتيلة» الخُرُوج على الحُكم الفاطمي، فحاصرها حصارًا عنيفًا وأخذها بِالسيف وقبض على واليها المذكور وأرسله إلى مصر حيثُ أُعدم.


والحقيقة أنَّ الفاطميين لم يفهموا الحركة الصليبيَّة على حقيقتها - كما أُسلف - فرحَّبوا بِتقدُّم الصليبيين في الأناضول والشَّام على حساب السلاجقة؛ ووجدوا في ذلك فُرصةً طيِّبةً لِاسترداد حُقُوقهم الضائعة في فلسطين، بل إنَّ ابن الأثير لم يتردد في اتهام الفاطميين بأنَّهم هُم الذين دعوا الصليبيين إلى الشَّام لِيُساعدونهم ضدَّ السلاجقة، فقال: « وَقِيلَ إِنَّ أَصْحَابَ مِصْرَ مِنْ اَلْعَلَوِيِّينَ لِمَا رَأَوْا قُوَّةُ اَلدَّوْلَةِ اَلسَّلْجُوقِيَّةِ وَتَمَكُّنِهَا وَاسْتِيلَاءَهَا عَلَى بِلَادِ اَلشَّامِ إِلَى غَزَّةَ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مِصْرَ وِلَايَةً أُخْرَى تَمْنَعُهُمْ وَدُخُولُ اَلْأَقَسِيسْ إِلَى مِصْرَ وَحَصْرِهَا فَخَافُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى اَلْفِرِنْجِ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اَلْخُرُوجِ إِلَى اَلشَّامِ لِيَمْلِكُوهُ وَيَكُونَ بَيْنُهُمْ وَبَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَالله أَعْلَمَ ».


وليس من دليلٍ أقوى على جهل الفاطميين بِحقيقة الحركة الصليبيَّة إلَّا مُحاولتهم التحالف مع الغُزاة الغربيين ضدَّ السلاجقة واقتسامهم الديار الشَّاميَّة بينهما بُعيد انتصارهم على العدُوِّ المُشترك، بحيثُ يكون القسم الجنوبي - أي فلسطين - لِلفاطميين، كما أُسلف. فلم يُدرك هؤلاء أنَّ الصليبيين لم يتركوا بلادهم في غرب أوروپَّا ويتحمَّلوا ما تحمَّلوه في الشرق إلَّا لاستخلاص الديار المُقدَّسة في فلسطين. هذا وكان الصليبيُّون قد أظهروا مهارةً سياسيَّةً ملحوظةً حتَّى ذلك الوقت تجاه الفاطميين، فاختاروا أن يتركوهم على عماهم ولم يُفصحوا لهم عن نواياهم تجاه بيت المقدس، بل أرسل الصليبيُّون سفارةً إلى القاهرة - ردًّا على سفارة الأفضل - تُؤكِّد التعاون بين الطرفين لِلقضاء على السلاجقة.


وَمَا أَدْرِي مَا كَانَ اَلسَّبَبُ فِي عَدَمِ إِخْرَاجِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اَلْمَالِ وَالرِّجَالِ… ». وفي شهر رمضان هـ المُوافق لِشهر آب أغسطس م ، رأى الأفضل أنَّ الفُرصة حانت لِيستعيد بيت المقدس، لا سيَّما وأنَّ الصليبيين كانوا ما يزالون مُتعثرين في أنطاكية، فخرج على رأس جيشٍ كثيف واستطاع استرداد بيت المقدس بالأمان من سُقمان بن أرتق وأخيه إيلغازي، فأحسن إليهما ومن كان معهما وأجزل لهم العطاء وسمح لهم بِالخُروج من المدينة إلى حيث شاءا، فاتجه الأخوان نحو دمشق ومنها إلى الجزيرة الفُراتيَّة حيثُ أسَّسا إمارةً لِبني أرتق هُناك. لكنَّ الصليبيين ردُّوا عليهم بِأنَّهم سيتمكنون من الحج فعلًا، ولكن بِمعونة الله. اتَّجه ريموند الصنجيلي على رأس الصليبيين من معرَّة النُعمان إلى كفرطاب الواقعة على بُعد عشرين كيلومتر جنوبًا، ومكث فيها حتَّى 20 صفر هـ المُوافق فيه 16 كانون الثاني يناير م ، وفي تلك الفترة لحق به كُلًّا من روبرت كورتز وتانكرد. وجديرٌ بِالذكر أنَّ أولئك الأُمراء كان مسلكهم تجاه الصليبيين مُختلفًا تمامًا عن مسلك السلاجقة الذين لم يعرفوا سوى السيف، في حين أدرك الأُمراء العرب في الشَّام خُطُورة الموقف وعدم وُجُود قُوَّة إسلاميَّة كُبرى قُربهم تحميهم من ذلك الخطر، فآثروا اتباع سياسةً مرنةً استهدفت الاتفاق مع الصليبيين وقُبُول ما تقدَّموا به من عُرُوض، حتَّى أنَّ أمير حماة، وهو صهر رضوان، وجناح الدولة حُسين أمير حِمص اللذين قاتلا إلى جانب كربوقا، تخلَّيا عن المُقاومة.


وقرَّر الصليبيُّون عند شيزر، نُزولًا على رأي تانكرد، أن يسلكوا الطريق الداخلي إلى بيت المقدس بدلًا من الطريق الساحلي الذي كان من رأي ريموند أنَّهُ يُمكِّن الحملة من الاتصال بِأنطاكية، والحُصُول على الامدادات والمُؤن من السُلطات البيزنطيَّة في قبرص ، نظرًا لِما يربطه بها من علاقاتٍ وديَّة، وذلك بِفضل مُساعدة الأساطيل الغربيَّة التي اتخذت السُويديَّة واللاذقيَّة قواعد لها. ورأى تانكرد أنَّهُ إذا سلك الصليبيُّون طريق الساحل الطويل المُتعرِّج، فهُم مُضطرُّون إلى الاستيلاء على المُدُن الساحليَّة مثل جبلة وطرطوس وطرابُلس وبيروت وصيدا وعكَّا ما يُشكِّل عامل تأخيرٍ لهم وبِخاصَّةٍ أنَّهم قد يُصادفون مُقاومةً من جانب السُكَّان، وهُم مُضطرُّون لِادِّخار قُوَّتهم حتَّى الوُصُول إلى بيت المقدس، والتي لم تكن تتجاوز آنذاك ألف فارسٍ وخمسة آلاف راجل، هذا مع الاقتراب بين حينٍ وآخر من ساحل البحر كُلَّما استدعت ظُرُوف التموين ذلك.


وأبدى صاحب طرابُلس هذا استعداده لِلتشاور والتنسيق مع ريموند في التدابير اللازمة لِمُرور الحملة الصليبيَّة عبر إمارته، وطلب منهُ أن يبعث بِمندوبين من قِبله لِأجل هذه الغاية، على أن يحملوا معهم أعلام ورايات قُمسيَّة طولوشة وصنجيل لِيرفعها على أسوار المدينة كدليلٍ على حُسن نيَّته. وافق القائد الصليبي على طلب أمير طرابُلس لِيختصر الوقت وهو في طريقه إلى بيت المقدس، فأرسل سفارةً إلى المدينة لِلتفاوض في شُرُوط الصُلح، وشاهد أعضاؤها مدى عِظم ثروة طرابُلس فتملَّكتهم الدهشة، فلمَّا عادوا إلى مُعسكرهم أخبروا ريموند بما رأوا، وأشاروا عليه بِالتشدُّد مع أميرها لأنَّهُ لن يتردد في عقد اتفاقٍ بِأي ثمنٍ لِيضمن السلام لِعاصمة إمارته، [la 73] وأشاروا على ريموند أن يُهاجم عرقة التابعة لِإمارة طرابُلس، كنوعٍ من الضغط على أميرها حتَّى يزيد من قيمة الجزية التي تعهَّد بِدفعها لِلصليبيين.


وسُرعان ما صادفت هذه الفكرة قبولًا حسنًا، لا سيَّما وأنَّ عرقة نفسها تتمتع بِأهميَّةٍ كبيرة لِوُقُوعها وسط إقليمٍ غنيٍّ بِمياهه وثروتها الطبيعيَّة. وفي الوقت الذي اتجه فيه جُزءٌ من الجيش الصليبي لِحصار عرقة، اتجه فريقٌ آخر إلى طرطوس واستولوا عليها، ممَّا سهَّل تموينهم بِواسطة الأساطيل الإيطاليَّة والبيزنطيَّة. هذا فضلًا عن أنَّ الاستيلاء على طرطوس ساعد الصليبيين بعد قليلٍ في الاستيلاء على مرقية ، إلى الشمال منها. وانتهى حصار جبلة بِعقد اتفاقٍ بين أبي محمود والصليبيين تعهَّد فيه الأوَّل بِدفع جزيةٍ من المال والخيل. وبعد ذلك اتجه گودفري وروبرت إلى عرقة تلبيةً لِنداء ريموند الذي طلب مُساعدتهما. ولم يلبث أن اعترض گودفري على الاستمرار في حصار عرقة، ونادى بِأنَّ الوقت الذي أضاعه الصليبيُّون في تلك العمليَّة الحربيَّة لا يُعادل بِأيِّ حالٍ من الأحوال الفائدة المرجُوَّة من وراء الاستيلاء على تلك المدينة الصغيرة. لِذلك أصرَّ گودفري على أن يترك الصليبيُّون حصار عرقة في الحال لِيُواصلوا زحفهم على بيت المقدس. ومن الثابت أنَّ ريموند ندم أشدَّ الندم على استعانته بِگودفري وروبرت واستحضارهما من جبلة لِمُعاونته، فحتَّى ذلك الوقت - ومُنذُ أن زحف الصليبيُّون من أنطاكية - كان ريموند هو زعيم الصليبيين في زحفهم على بيت المقدس، أمَّا وقد حضر گودفري فإنَّ نُفُوذه أخذ يطغى على نُفُوذ ريموند، وانضمَّ إلى جانبه تانكرد وروبرت، ممَّا أضرَّ ضررًا بليغًا بِمركز ريموند ومكانته.


وفي يوم الإثنين 22 جُمادى الآخرة هـ المُوافق فيه 15 أيَّار مايو م ، غادر الصليبيُّون طرابُلس إلى بيت المقدس سالكين الطريق الساحليّ عبر القلمون وأنف الحجر والبترون وجُبيل ، [] وساعدهم أدلَّاء موارنة من جبل لُبنان، فكانت تلك المرَّة الأولى التي كُسرت فيها العُزلة الإقليميَّة لِهذه الطائفة المسيحيَّة مُنذُ أن لجأ أفرادها إلى جبل لُبنان في القرن السادس الميلادي ، إذ كانت وُفُودهم قد هبطت من موطنهم الشاهق حول بلدة بشرِّي أثناء حصار الصليبيين لِعرقة، لتُهنِّئهم وتعرض عليهم المُساعدة، [] وبحسب المُؤرِّخ اللُبناني الدكتور فؤاد أفرام البُستاني ، فإنَّ الموارنة أمدُّوا الصليبيين بِثلاثين ألف نبَّال «أجمع الفرنجة على الإعجاب بِشجاعتهم ومهارتهم»، [] ومُنذُ تلك الفترة نال الموارنة الحُظوة والدعوة لدى الصليبيين، فقدَّموهم على من حالفهم من المُسلمين وعلى جميع الطوائف المسيحيَّة الشرقيَّة الأُخرى.


وفي 29 جُمادى الآخرة المُوافق 23 أيَّار مايو عبر الصليبيُّون مُرتفع رأس الناقورة في طريقهم إلى عكَّا، فبلغوا ظاهرها في 1 رجب المُوافق 24 أيَّار مايو ، فصالحهم أميرها وقدَّم لهم الهدايا والمُؤن، كما تعهَّد بالدُخُول في طاعتهم إذا استولوا على بيت المقدس. حرص الصليبيُّون على أن لا ينقطع الطريق بينهم وبين البحر أثناء زحفهم نحو بيت المقدس، لِذلك احتلُّوا الرملة بعد أن أخلاها المُسلمون وتركوا فيها حاميةً صغيرة، [] وعقدوا فيها مجلسًا للحرب في الفترة المُمتدَّة بين 11 و14 رجب المُوافقة لما بين 3 و6 حُزيران يونيو ، ناقشوا فيه مسائل عدَّة، منها اقتراحٌ بِأن يبدأوا بِمُهاجمة الفاطميين في عقر دارهم، إذ أنَّ من الحماقة مُهاجمة بيت المقدس في ذُروة الصيف، وأنَّ من الأفضل أن يتقدَّمُوا لِمُهاجمة مركز الثقل الإسلامي الذي هو مصر، لأنَّ مفاتيح بيت المقدس موجودة فعلًا في القاهرة ، وأنَّهُ إذا أراد الصليبيُّون أن ينعموا بِحياةٍ آمنةٍ مُستقرَّة في بيت المقدس، فعليهم أن يُؤمِّنوا على أنفُسهم بِالاستيلاء على الوجه البحري لِلديار المصريَّة، غير أنَّ هذا الاقتراح لقي الرفض من مُعظم القادة، وتقرَّر الزحف مُباشرةً إلى بيت المقدس.


وصل الصليبيُّون إلى بيت المقدس يوم الثُلاثاء 15 رجب هـ المُوافق فيه 7 حُزيران يونيو م ، وحاصروها. تولَّى الدفاع عن المدينة أميرها الفاطمي افتخار الدولة وحامية قويَّة من عساكر عربيَّة وسودانيَّة من مُشاةٍ ونبَّالين، [la 75] يُضاف إليهم قُرابة أربعمائة فارس [la 76] وأربعة عشر منجنيقًا. كذلك اهتمَّ بِتقوية التحصينات والتأكُّد من سلامة الأسوار ودعَّمها بِأكياسٍ مملوءةٍ بالقُطن وشَحَنَ الأبراج بِالمُقاتلة والسلاح، كما أرسل إلى مصر يطلب النجدة. فتمركز روبرت كورتز النورماني على امتداد السور الشمالي تجاه باب الساهرة ، واتخذ روبرت الفلمنكي موقعه إلى يمينة تجاه باب دمشق ، وعسكر گودفري في البُقعة التي تُواجه الرُكن الشمالي الغربي لِلمدينة حتَّى باب يافا ، وانضمَّ إليه تانكرد عندما قدم من بيت لحم ، واستقرَّ ريموند إلى الجنوب منهما قبل أن ينتقل إلى جبل صهيون بعد أن اكتشف أنَّ الوادي يجعله بعيدًا عن الأسوار، وكان القطاعان الشرقي والجنوبي الشرقي مكشوفين لم يحرسهما أحد. واجهت المُحاصرين في بادئ الأمر مُشكلاتٌ عدَّة حالت بينهم وبين الاستيلاء على المدينة فورًا، فقد صمد المُسلمون بِقيادة افتخار الدولة وتمكَّنوا من صدِّ المُحاولات الصليبيَّة المُتكررة لِاقتحام بيت المقدس، وعجز الغُزاة عن تأمين المياه نتيجة ما اتخذه افتخار الدولة من تدابير كانت ناجحة وقويَّة الأثر، كما أخذت مؤنهم في النفاذ، وانتشرت شائعة بينهم تُفيد أنَّ جيشًا فاطميًّا كبيرًا قد خرج من القاهرة وهو في طريقه لإنقاذ المدينة.


أضف إلى ذلك، تجدَّد النزاع بين قادة الحملة حول مصير بيت المقدس وملكيَّة بعض الأماكن المُهمَّة الأُخرى مثل بيت لحم، وقد تمسَّك تانكرد بِحقِّه في مُلكيَّتها بعد أن كان قد استولى عليها. a Biarnokoa ، فأفرغ الصليبيُّون حُمُولتهما إلى البر وسط مُناوشاتٍ مع قُوَّةٍ فاطميَّةٍ قدمت من عسقلان ، ونقلوها إلى المُعسكر الصليبي عند بيت المقدس الذي تحوَّل إلى خليَّة عملٍ لِبناء الأبراج والسلالم اللَّازمة لِتسلُّق الأسوار. وشرع ريموند وگودفري في تشييد أبراجٍ من الخشب تسيرُ على عجلات ثُبِّتت بها المقاليع، وبعد الانتهاء من العمل نصبوا الأبراج وأسندوها إلى أسوار المدينة. وفي أوائل شهر تمُّوز يوليو ، بلغ الصليبيين خُرُوج الوزير الأفضل شاهنشاه من مصر على رأس جيشٍ كبيرٍ لِنجدة بيت المقدس، وإذ أدركوا أنَّهُ ليس ثمَّة ما يدعو بعدئذٍ إلى التمهُّل والإرجاء، جدُّوا في حصار المدينة وواصلوا الحرب، فأنشأوا ثلاثة أبراج ضخمة تطُلُّ على أسوارها ونصبوها عند السور الشمالي وجبل صهيون والطرف الشمالي الغربي من الأسوار.


ولم يكن اليهود بِأحسن حالًا من المُسلمين، ففي غمرة ارتكاب المذابح التي تعرَّض لها السُكَّان، فرَّ يهود بيت المقدس، وكانوا مُستهدفين كالمُسلمين، إلى كنيسهم، غير أنَّ قادة الصليبيين قرَّروا إلقاء القبض عليهم بِحُجَّة أنَّهم ساعدوا المُسلمين، فلم تأخذهم بهم الرحمة والرأفة، فأشعلوا النار في الكنيس، ولقي من بداخله من اليهود مصرعهم مُحترقين. وعلى الرُغم من أنَّ الخليفة أمر بِخُروج القُضاة أبو مُحمَّد الدامغاني وأبو بكر الشاشي الفارقي وأبو القاسم الزنجاني وأبو الوفاء بن عقيل وأبو سعيد الحلواني وأبو الحُسين بن سمَّاك، لِنجدة المُسلمين، إلَّا أنَّ الخلافات والاضطرابات السياسيَّة الكبيرة التي كانت تعصف بِالخلافة العبَّاسيَّة والسلطنة السلجُوقيَّة حالت دون الأتيان بأي فعلٍ مُفيد. وأنشد الأديب والشَّاعر أبو المُظفَّر الأبيوردي قصيدةً بكى فيها بيت المقدس وحثَّ المُسلمين على نُصرة أهل الشَّام، من بعض أبياتها: []. أثار نجاح الحملة الصليبيَّة الأولى في تحقيق أهدافها العسكريَّة والروحيَّة مُشكلة تنظيم وضع بيت المقدس وسائر البلاد التي استولى عليها الصليبيُّون، وكيفيَّة تأسيس دولة غربيَّة على أرضٍ شرقيَّة تتألَّف من تلك العناصر المُشتَّتة والمُتباينة التي جرفها تيَّار الدعوة الصليبيَّة من أوروپَّا الغربيَّة في صعيدٍ واحد.


وظهرت في هذه الأثناء المُشكلة المُزمنة بين الكنيسة والدولة، فهل يكون حاكم الدولة الجديدة من العلمانيين أو الكنسيين ؟ إذ بدا طبيعيًّا أنَّ المدينة المُقدَّسة التي سقطت في حربٍ مُقدَّسة على يد جيشٍ عيَّن البابا أحد رجال الكنيسة الكاثوليكيَّة قائدًا له، ينبغي أن يتولَّى حُكمها رجلٌ كنسيّ، لكنَّ الصليبيين افتقروا آنذاك إلى وُجُود قائدٍ روحيٍّ يعترفون جميعًا بِزعامته ويعهدون إليه بِتنظيم جُهُودهم، وهُنا شعروا بِعِظم الخسارة التي أصابتهم بِوفاة المندوب البابوي أدهمار في أنطاكية قبل نحو سنة رمضان هـ المُوافق لآب [أغسطس] م الذي عُرف بِاتزانه، ولم يكن ثمَّة أحد من رجال الكنيسة بعده من توافر فيه من الهيبة والمكانة ما يكفل انتصار التوجُّه الكنسي. واجتمع زُعماء الحملة الصليبيَّة الأولى الكنسيُّون والعلمانيُّون في 25 شعبان هـ المُوافق فيه 17 تمُّوز يوليو م ، لِتنظيم وضع المدينة وانتخاب حاكمٍ عليها.


وكانت النيَّة تميل إلى تنصيب بطريركٍ كاثوليكي لاتيني رئيسًا لها وأن يُعهد إليه بِولايتها، لكن تغلَّبت النزعة العلمانيَّة بِفعل طبيعة الظُرُوف التي أحاطت بِالصليبيين، إذ أنَّ قيام دولةٍ لاتينيَّةٍ من النصارى الغربيين في قلب ديار الإسلام أمرٌ يحتاج إلى قيادةٍ حربيَّةٍ علمانيَّة لِلدفاع عن هذه الدولة ضدَّ أعدائها المُحيطين بها، لِذلك رأى مجلس الأُمراء الذي كان يُدير الحملة أنَّهُ لا غنى عن اختيار زعيمٍ عسكريّ، واستقرَّ الرأي على هذا، في ظل تنازع هؤلاء الأُمراء على المنصب. بعد أن استقرَّت الأُمُور لِلصليبيين في بيت المقدس كما أُسلف، صارت الخُطوة التالية أمامهم هي الاستيلاء على بقيَّة مُدُن فلسطين ، إذ لم يمتلكوا منها حتَّى ذلك الوقت سوى بيت المقدس وبيت لحم واللُّد والرملة ويافا.


ويبدو أنَّ الصليبيين لم يُصادفوا صُعُوباتٍ كبيرة في تلك المُهمَّة، لِأنَّ سُقُوط بيت المقدس أحدث موجةً من الرُعب في نُفُوس أهالي المُدُن والقُرى المُجاورة، فضلًا عن خُلُوِّ تلك المُدُن من وسائل الدفاع. وكان أن أسرع أهالي نابلس إلى الاستسلام وأرسلوا وفدًا إلى الصليبيين يدعونهم لِتسلُّم المدينة، فتسلَّمها تانكرد دون صُعُوبة في أواخر تمُّوز يوليو م. لم يكف الوزير الفاطمي الأفضل شاهنشاه عن الاستعداد لِمُقاتلة الصليبيين مُنذُ أن سمع بِزحفهم على بيت المقدس، فجمع رجاله وخرج من مصر لِيحول دون استيلائهم عليها، ولكنَّهُ وصل عسقلان في 14 رمضان المُوافق فيه 4 آب أغسطس ، وقد فات الأمر، أي بعد أن استولى عليها الصليبيُّون بِعشرين يومًا. ولم يسع الأفضل عند وُصُوله إلى عسقلان سوى أن يُرسل رسولًا إلى الصليبيين يُوبِّخهم على ما فعلوه. وقُبيل خُروج الجيش الصليبي من بيت المقدس، عاد أهل المدينة الأصليين من النصارى الشرقيين ودخلوها، لِيُفاجأوا بأنَّ بطريركًا كاثوليكيًّا غربيًّا قد أصبح زعيمها الروحي. وبادر البطريرك المذكور إلى استبعاد القساوسة الأرثوذكس من كنيسة القيامة، وبدأ يُضفي عليها صبغةً لاتينيَّة، وأجبرهم على إظهار صليب الصلبوت ، الذي يُؤمن النصارى بِصلب المسيح عليه، وكانوا قد أخفوه عند خُرُوجهم من بيت المقدس أيَّام افتخار الدولة.


ولم يعد أمام الأرثوذكس في بيت المقدس سوى قُبُول الوضع الجديد بعد أن تفرَّق زُعماؤهم الروحيُّون وأصبح من المُستحيل عليهم تعيين بطريركٍ لهم يستطيع الصُمُود أمام البطريرك الكاثوليكي الجديد. وفي يوم 19 رمضان المُوافق فيه 9 آب أغسطس ، خرج الصليبيُّون من بيت المقدس بِقيادة گودفري زاحفين بِاتجاه الرملة، ومنها تابعوا زحفهم جنوبًا نحو عسقلان. ولم تمضِ إلَّا مُدَّةً وجيزةً حتَّى حلَّت بهم الهزيمة وولُّوا هاربين إلى ناحية عسقلان. أمَّا الوزير الأفضل فركب سفينةً أعادته إلى مصر. وهكذا أرسل أهل المدينة إلى ريموند لِتسليم المدينة إليه بعد أن لمسوا ما فعله مع افتخار الدولة حين سمح لهُ ولِرجاله بالخُرُوج سالمين من بيت المقدس، واشترطوا عليه تأمينهم على أرواحهم وحُريَّاتهم. ولكنَّ گودفري خشي من استيلاء خصمه السياسي سالف الذِكر على عسقلان التي قد يجعلها عاصمةً لِإمارته على ساحل فلسطين، لِذا طلب منهُ أن يتخلَّى عنها، فرحل بِقُوَّاته، وأدَّى ذلك إلى أن ينسحب گودفري بدوره لِأنَّ قُوَّاته لم تكن من القُوَّة ما تستطيع الاستمرار في فرض الحصار على عسقلان واقتحامها، [] إلَّا أنَّهُ فرض على أهلها عشرين ألف دينار ، فلم يدفعوا منها شيئًا كون الصليبيين لم يتمكنوا من تحصيلها نتيجة الخلاف بين ريموند وگودفري كما أُسلف.


قضى انتصار الصليبيين في عسقلان على هيبة الفاطميين في الشَّام، تمامًا كما فعلت الهزيمة التي حلَّت بِكربوقا وأفضت إلى إخراج السلاجقة من معركة الشَّام، [] ولم يجد الصليبيُّون صُعُوبةً في الاستيلاء على إقليم الجليل لِعدم وُجُود مُقاومة إسلاميَّة قويَّة هُناك. وكان تانكرد هو القائد الوحيد الذي بقي إلى جانب گودفري وعمل تحت رئاسته بعد انسحاب بقيَّة القادة كما أُسلف. وكان أن عهد گودفري إلى تانكرد بِالاستيلاء على بلاد الجليل على أن يُعطيه إيَّاها فيجعله أميرًا عليها تابعًا له. وحصَّن تانكرد طبريَّة قبل أن يتوجَّه إلى الناصرة ثُمَّ إلى جبل طابور ، واستولى على بيسان المُشرفة على الضفَّة الشرقيَّة لِنهر الأُردُن والتي تتحكَّم في الطريق الذي يصل مرج ابن عامر بِالنهر المذكور.


وبادر المُسلمون أهل الجليل بِمُغادرة بلادهم خوفًا على حياتهم، فاستغلَّ الأمير الصليبي ذلك وأغار على الأراضي الإسلاميَّة المُجاورة ووصل في غاراته إلى الأراضي التابعة لِإمارة دمشق. وأسفرت تلك الغارات لا عن حُصُوله هو وأتباعه على غنائم وفيرة فحسب، وإنَّما أكَّدت أيضًا امتلاكه كامل بلاد الجليل. وبِذلك توسَّعت حُدُود إمارة بيت المقدس وأصبحت كُتلةً مُتماسكةً من الأراضي تفصل المُدُن الساحليَّة الإسلاميَّة عن نظيراتها في الداخل. لم يكن لِلدولة التي أقامها الصليبيُّون في بيت المقدس سوى منفذٌ واحد على البحر هو ميناء يافا. ولمَّا كانت هذه الدولة مُحاطة بِأعداءٍ من الداخل، فقد صار لازمًا على گودفري أن يُقوِّي الصلة بين بيت المقدس والعالم الخارجي، من واقع احتلال بعض الموانئ، وبدأ بأرسوف، فضرب الحصار عليها، وقاومته حاميتها، وأجبرته على رفع الحصار، غير أنَّهُ أبقى نصف جيشه في الرملة القريبة من ميناء أرسوف وأمر أفراده بأن يُغيروا على الأراضي المُجاورة لِلمدينة لِإجبار حاميتها على الاستسلام، في حين أغار هو على المُدُن الفاطميَّة الساحليَّة أمثال عسقلان وقيسارية وعكَّا، ومنع وُصُول المُؤن إليها من الأرياف، وحصَّن يافا بِمُساعدة الپيازنة أهل پيزة ، وأصلح ميناءها، فازدادت المشقَّة أمام السُفُن الفاطميَّة لِجلب المُؤن بحرًا من الثُغُور الإسلاميَّة، واشتدَّت مُعاناة سُكَّان المُدُن المذكورة.


وفي شهر ربيع الآخر هـ المُوافق لِشهر شُباط فبراير م ، ظفر الصليبيُّون بِبعض سُكَّان أرسوف الذين خرجوا لِمُزاولة نشاطهم في مزارعهم القريبة، فانتقموا منهم انتقامًا وحشيًّا بِأن جدعوا أُنُوفهم وقطعوا أقدامهم وأيديهم. فتملَّك اليأس من السُكَّان وأدركوا عدم جدوى المُقاومة، وقرَّروا الدُخُول في تبعيَّة الصليبيين، فأرسلوا سفارةً إلى بيت المقدس حملت معها هديَّةً رمزيَّة عبارة عن مفاتيح أبراج المدينة، وعرضت أن تدفع جزية سنويَّة، فقبل گودفري ذلك. وحذا كثيرٌ من شُيُوخ القبائل العربيَّة الضاربة في سُفُوح التلال الداخليَّة حذو سُكَّان المُدن الساحليَّة، فعقدوا اتفاقاتٍ وديَّةٍ مع گودفري.


غدا گودفري على درجةٍ عاليةٍ من القُوَّة ما جعله يُقدم على التوسُّع بِاتجاه الداخل وبسط سُلطانه على سواد الأُردُن، أي على الأراضي الواقعة وراء نهر الأُردُن شرقيّ بُحيرة طبريَّة ، وهو إقليمٌ اشتهر بِخُصُوبته، وكان تابعًا لِدقَّاق. وفعلًا اشترك الرجلان في تنفيذ غارة أوغلت في عمق الجولان. وفي غُضُون ذلك كان دقَّاق يُراقب تحرُّكات القُوَّة الصليبيَّة المُغيرة، مُتربصًا بها، ولدى عودتها في 8 شعبان المُوافق فيه 18 حُزيران يونيو مُحمَّلة بِالأسلاب، انقضَّ على مُؤخرتها التي تولَّى تانكرد حمايتها، ولم يعلم گودفري بما حدث، ومضى في سيره، ولم يستطع تانكرد أن ينجو بِنفسه إلَّا بعد أن فقد عددًا كبيرًا من رجاله وأضاع نصيبه من الغنائم.


غير أنَّ أمير دمشق لم يكن من القُوَّة ما يجعله يُواصل هُجُومه ويستثمر انتصاره ويُطارد الصليبيين، فانسحب عائدًا إلى عاصمته بعد أن اطمأنَّ إلى أنَّ الصليبيين غادروا أراضيه. وقرَّر تانكرد الانتقام لِما حلَّ به على يد دقَّاق، فبعد أن استراح بضعة أيَّام في طبريَّة، أغار مُجددًا على أراضي دمشق، فخرَّب إقليم السواد وتوغَّل حتَّى أضحى قريبًا من دمشق نفسها، وأرسل سفارةً من ستَّة أشخاص إلى دقَّاق تحمل إنذارًا إليه بِوُجُوب اعتناقه المسيحيَّة أو ترك مدينته فورًا، فاستاء دقَّاق من تلك الجُرأة وعدَّها إهانةً لا يجب السُكُوت عنها، فردَّ على الرُسُل بأنَّ عليهم اعتناق الإسلام وإلَّا لقوا مصرعهم، فقبل أحدهم ذلك وأُعدم الباقون. أثار هذا العمل تانكرد، فطلب من گودفري أن ينضم إليه لِيُغيرا على أملاك دقَّاق.


واستمرَّ الرجُلان يُعيثان فسادًا وتخريبًا في الجهات والضياع والمزارع المُحيطة بِدمشق قُرابة أُسبُوعين، في حين لزم المُسلمون أماكنهم خلف أسوار مُدُنهم. وعندئذٍ أدرك أمير السواد أنَّ سيِّده تخلَّى عنه وعجز عن حمايته وأنَّ الصليبيين خرَّبوا بلاده واستباحوها، فاعترف بِالتبعيَّة لِتانكرد ووافق على دفع الجزية له. وعند عودة گودفري إلى بيت المقدس عن طريق الساحل مارًّا بِعكَّا وقيسارية، أسرع أمير المدينة الأخيرة - بِوصفه تابعًا لِگودفري - إلى إقامة وليمةٍ حافلةٍ له. وهكذا أصبحت إمارة بيت المقدس الصليبيَّة بِمثابة مملكة أوروپيَّة غربيَّة إقطاعيَّة، يحوطها عددٌ من الإمارات الإسلاميَّة التابعة لها. ولم تلبث الأخبار أن حملت وفاة گودفري يوم الأربعاء 9 رمضان هـ المُوافق فيه 18 تمُّوز يوليو م ، [] فاقترح داگوبرت على البنادقة رفع الحصار عن عكَّا وتوجيه الجُهُود لِلاستيلاء على حيفا نظرًا لِقُربها من بيت المقدس، وهي أكثر نفعًا لِلقضيَّة الصليبيَّة في الوقت الراهن.


وكانت حيفا تابعة لِلدولة الفاطميَّة، ولِلفاطميين فيها حاميةٌ قليلة العدد، فلمَّا هاجمها الصليبيُّون لم تستطع المُقاومة طويلًا، وما لبثت أن سقطت بِأيدي الغُزاة الغربيين الذين أخرجوا أهلها منها. ظهر الخلاف مرَّة أُخرى بين القادة الصليبيين، وتنافسوا على حُكم بيت المقدس بُعيد وفاة گودفري. وكان الأخير قد كتب وصيَّته أثناء مرضه عيَّن بِموجبها البطريرك داگوبرت حاكمًا على المدينة، شريطة أن لا يحتفظ بالسُلطة بل ينقلها إلى أحد إخوة گودفري أو لِشخصٍ من أقاربه. والمعروف أنَّ تانكرد كان يُكن الكراهيَّة لِبلدوين مُنذُ أن نشبت النزاعات بينهما في قيليقية قبل ثلاثة سنوات، وأنَّ داگوبرت كان مُجبرًا على التحالف معه لأنَّ إمارته كانت تمتد من شرق الجليل إلى البحر المُتوسِّط ، وكانت بِحُكم موقعها هذا تقطع الطريق بين بيت المقدس والشمال. بعد تربُّع بلدوين على عرش بيت المقدس، أخذ يعمل على توسيع حُدُود دولته وغزو بعض البلاد الإسلاميَّة المُجاورة، فعاث بِجيشه أرض الخليل ، ووادي العريجة ووادي الجدي، على الضفَّة الغربيَّة من البحر الميت ، إلى أن وصل إلى وادي موسى.


وفي 13 جُمادى الأولى هـ المُوافق فيه 15 آذار مارس م ، اتفق بلدوين مع قادة أُسطُولٍ جنويّ على الاستعانة بِسُفُنهم بضعة أشهُرٍ لِاستيلاء على مُدُن الساحل الفلسطيني، فوافقوا لِقاء حُصُولهم على ثُلُث الغنائم. وتنفيذًا لِهذا الاتفاق، مضى بلدوين والجنويُّون لِإلقاء الحصار على أرسوف، فعرض أهلها تسليمها دون قتال، شرط أن يخرجوا منها أحرارًا، فقبل بلدوين بذلك وحافظ على عهده معهم. وبعد أرسوف، حاصر بلدوين وحُلفاؤه قيسارية واحتلُّوها عنوةً، وانتقموا من أهلها المُسلمين شرَّ انتقام، فذبحوا الرجال والنساء والأطفال، عدا قاضي المدينة وأميرها، على أمل أن يتقاضوا منهما فديةً لائقة. وعاون ريموند جماعةٌ من موارنة جبل لُبنان لِلاستيلاء على مُدُن الساحل، وعلى الخُصُوص حينما هاجم مدينة جُبيل، فتمكَّن من الاستيلاء عليها يوم 26 رجب هـ المُوافق فيه 23 نيسان أبريل م. وضرب الصليبيُّون حصارًا على طرابُلس ضاربين بِعرض الحائط صداقتهم مع بني عمَّار أُمراء المدينة، وشيَّد ريموند قلعةً عظيمة على رأس رابيةٍ تُشرف على طرابُلس لِإحكام الحصار عليها، لكنَّ القدر لم يُمهل القائد الصليبي حتَّى يُحقق حُلمه، فعالجه المنون يوم 12 جُمادى الآخرة هـ المُوافق فيه 28 شُباط فبراير م.


قبل سُقُوط طرابُلس، كان بلدوين ملك بيت المقدس قد تمكَّن من الاستيلاء على عكَّا، ثُمَّ تحرَّك بُعيد انتصار برتراند لِاستكمال احتلال الثُغُور الساحليَّة الشَّاميَّة، فسقطت في يديه صيدا وبيروت، أمَّا مدينة صور فبقيت صامدة حتَّى سنة م لِتُصبح آخر مدينةٍ يحتلَّها الصليبيُّون. ولمَّا استقرَّت دعائم الحُكم اللاتيني الغربي، أخذ العديد من النصارى الشرقيين، من عربٍ وسُريانٍ وأرمن وروم يُظهرون امتعاضهم من التدابير الصليبيَّة، ذلك أنَّ الوافدين الغربيين، رُغم انتهاج بعض قادتهم أحيانًا سياسة هدفت إلى الربط بين العناصر المُختلفة التي تتكوَّن منها دُويلاتهم، كما فعل بلدوين حينما تزوَّج من أميرةٍ أرمنيَّةٍ تُدعى «أردا» بالأرمنية : Արդա ، غير أنَّهم حرصوا على تسيُّد العُنصر الأوروپي الغربي، من ذلك أنَّ بلدوين جذب إلى الرُّها عددًا كبيرًا من الصليبيين اللاتين وأغدق عليهم الأموال، فشكَّلوا طبقةً أرستقراطيَّة عسكريَّة في تلك الدُويلة تحكم شعبًا من الأرمن جُلَّ أفراده مُزارعين وتُجَّار، وعاش الغربيُّون بعيدًا عن الاختلاط بالنصارى المحليين ممَّا أساء كثيرًا إلى شُعُورهم.


وسُرعان ما استولى الصليبيُّون على الضياع الزراعيَّة التابعة لِلرُّها خارج أسوارها، واضطرَّ من عليها من الفلَّاحين الأرمن إلى العمل في ظل القُيُود الإقطاعيَّة المعروفة في الغرب الأوروپي، فضلًا على أنَّ الضرائب التي ظلَّ أهل الرُّها يدفعونها لم تخُف عمَّا كانت عليه قبل الصليبيين. كذلك، كان لِلمجزرة التي أوقعها الصليبيُّون بِالمُسلمين في بيت المقدس أثرٌ بعيد الأمد على العلاقات السياسيَّة بين الطرفين، كما أنَّها أثارت هلع المسيحيين عُمومًا لِما حملته في طيَّاتها من انعكاسٍ على العلاقة بين المُسلمين والنصارى، ولمَّا كانت بعض القوى الإسلاميَّة على استعدادٍ لِلاعتراف بِالصليبيين على أنَّهم عاملٌ جديد فيما ساد ذلك العصر من سياساتٍ مُعقدَّة، فإنَّ المجزرة جعلت هؤلاء يُصمِّمون على طرد الغُزاة الغربيين. وفيما بعد، عندما سعى بعض العُقلاء اللاتين نحو إيجاد أُسسٍ لِلتقارب مع المُسلمين والتعاون معهم، كانت ذكرى هذه المذبحة تعترض دائمًا الوُصُول إلى اتفاق.


انتقل إلى المحتوى الموسوعة. الصفحة الرئيسية الأحداث الجارية أحدث التغييرات أحدث التغييرات الأساسية. المواضيع أبجدي بوابات مقالة عشوائية تصفح من غير إنترنت. تواصل مع ويكيبيديا مساعدة الميدان تبرع. ماذا يصل هنا تغييرات ذات علاقة رفع ملف الصفحات الخاصة وصلة دائمة معلومات الصفحة استشهد بهذه الصفحة عنصر ويكي بيانات. إنشاء كتاب تحميل PDF نسخة للطباعة. في مشاريع أخرى. ويكيميديا كومنز. في نسخة ويكيبيديا هذه، وصلات اللغات موجودة في الزاوية العليا اليسرى بجانب العنوان. انتقل إلى الأعلى. المحتويات انقل للشريط الجانبي أخف. مقالة نقاش. اقرأ عدّل تاريخ. المزيد اقرأ عدّل تاريخ. الْحَمْلَةُ الصَّلِيبِيَّةُ الْأوْلَى جزء من الحملات الصليبيَّة. الحملة الصليبية الثانية. الحملات الصليبية.


في الأرض المقدسة الفقراء الأولى النرويجية البندقية الثانية الثالثة الأطفال الخامسة السادسة السابعة الرعاة التاسعة في الدولة البيزنطية الرابعة القسطنطينيّة م. في تونس الثامنة تونس م. المهدية بعدَ عامِ الرعاة سميرنيوت — الإسكندرية م سافوي نيقوبولس ڤارنا الحملات الصليبية الشمالية — حملة وندش الصليبية السويدية يفونيان بروسيا لتوانيا ضد المسيحيين البوسنية الكاثار أراغون دسبنسر الهوسيين ضد العثمانيين الحملة البرتغالية إلى أوترانتو سقوط الأندلس — الحملة الصليبيَّة الأولى. سنوات الحملة الصليبية الأولى ميلادية. المقالة الرئيسة: حملة الفقراء الصليبية. المقالة الرئيسة: حصار نيقية. المقالة الرئيسة: معركة ضورليم المقالة الرئيسة: حصار أنطاكية. المقالة الرئيسة: معركة أنطاكية المقالة الرئيسة: مذبحة معرة النعمان. المقالة الرئيسة: حصار القدس المقالة الرئيسة: معركة عسقلان.


طالع أيضًا: مملكة بيت المقدس. طالع أيضًا: حصار طرابلس و الحملة الصليبية في سنة الموسوعة العربيَّة المُيسرة ط. شركة أبناء شريف الأنصاري لِلطباعة والنشر والتوزيع. ISBN قصَّة الحضارة. ترجمة: د. زكي نجيب محمود وآخرين. بيروت وتُونُس : دار الجيل والمُنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم. الجُزء الخامس عشر. مؤرشف من الأصل في 9 تشرين الأوَّل أكتوبر م. اطلع عليه بتاريخ 9 تشرين الأوَّل أكتوبر م. الحُرُوب الصليبيَّة كما رآها العرب. عفيف دمشقيَّة ط. بيروت - لُبنان : دار الفارابي. مؤرشف من الأصل في 10 أكتوبر بيروت - لُبنان : دار النفائس. مؤرشف من الأصل في 16 أكتوبر تاريخ الأنطاكي، المعروف بِصلة تاريخ أوتيخا. طرابلُس - لُبنان : جروس پرس. مؤرشف من الأصل في 15 مارس وفيَّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان PDF. بيروت - لُبنان : دار صادر. الجُزء الخامس. مؤرشف من الأصل PDF في 1 سبتمبر جورج حدَّاد، عبد الكريم رافق.


تاريخ سورية ولُبنان وفلسطين PDF ط. بيروت - لُبنان : دار الثقافة. الجُزء الثاني. مؤرشف من الأصل PDF في المُصوَّر في التاريخ ط. بيروت - لُبنان : دار العلم للملايين. الجُزء السادس. ماهيَّة الحُرُوب الصليبيَّة PDF. الكُويت : المجلس الوطني للثقافة والفُنُون والآداب. عالم المعرفة ، الجُزء مؤرشف من الأصل PDF في 16 أكتوبر مُعجم البُلدان PDF. الجُزء الثالث. مؤرشف من الأصل PDF في 24 يناير الحركة الصليبيَّة: صفحة مُشرقة في تاريخ الجهاد الإسلامي في العُصُور الوُسطى PDF ط. القاهرة - مصر : مكتبة الأنجلو المصرية. الجُزء الأوَّل. حسن إبراهيم حسن، د. عبد المجيد عابدين، إسماعيل النحراوي الدعوة إلى الإسلام: بحثٌ في تاريخ نشر العقيدة الإسلاميَّة ط. القاهرة - مصر : مكتبة النهضة المصريَّة. مؤرشف من الأصل في 17 أكتوبر الكامل في التاريخ PDF ط.


بيروت - لُبنان : دار الكُتُب العلميَّة. المُجلَّد الثامن. مؤرشف من الأصل PDF في 10 أغسطس أورُبَّا العُصُور الوُسطى PDF ط. الجُزء الثاني: النُظُم والحضارة. نظرة عربيَّة على غزوات الإفرنج من بداية الحُرُوب الصليبيَّة حتَّى وفاة نور الدين PDF. الدار العربيَّة لِلكتاب. كتاب الأخبار السنيَّة في الحُرُوب الصليبيَّة PDF ط. القاهرة - مصر : المطبعة العُمُوميَّة بِمصر. مؤرشف من الأصل PDF في 30 أكتوبر حسن حبشي الحُرُوب الصليبيَّة PDF. القاهرة - مصر : الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب. مؤرشف من الأصل PDF في 30 أغسطس زياد العسلي تاريخ الحملة إلى القُدُس - PDF. عمَّان - الأُردُن : دار الشُرُوق لِلنشر والتوزيع. موسوعة بريتانيكا بالإنجليزية الحادية عشر ed. مطبعة جامعة كامبريدج. الموسوعة الكاثوليكية. نيويورك: شركة روبرت أبيلتون. محمد بن عبد الرحمن العريفي. بامكانك قراءته اونلاين او تحميله مجاناً على جهازك لتصفحه بدون اتصال بالانترنت , الملف من نوع PDF بامكانك تحميله و قراءته فورا , لا داعي لفك الضغط.


الحملات الصليبية مؤلف العمل. كتب تاريخ. التقييم 3. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب, لإجراء أي تعديل الرجاء الإتصال بنا. تحميل الكتاب PDF. قراءة الكتاب بدون تحميل. ويب فى اصدارتها 3.



الرئيسية المكتبة الإسلامية مكتبة اللغة العربية المكتبة الأدبية التربية والتعليم الأعمال الكاملة المكتبة العامة تعرف بنا جديد المكتبة اتصل بنا أهداف المكتبة أقتراحاتكم فهرس المكتبة. الرئيسية » التاريخ والحضارات , الكتب القديمة والنادرة , قسم التراث , كتب pdf » الحرب الصليبيّة الأولى - حسن حبشي ، pdf. Posted by مكتبة قولنجبل Posted on أغسطس 28, with لا يوجد تعليقات. التاريخ والحضارات, الكتب القديمة والنادرة, قسم التراث, كتب pdf,. إذا استفدت فأفد غيرك بمشاركة الموضوع فالدال على الخير كفاعله :. الاقسام التاريخ والحضارات , الكتب القديمة والنادرة , قسم التراث , كتب pdf. إرسال تعليق. إجمالي مرات مشاهدة الصفحة. المشاركات الشائعة. النّحو الميسر دار الوفاء - أحمد عبد المعطي ، pdf.


بسم الله الرحمن الرحيم كتاب: النّحو الميسر دار الوفاء المؤلف: أحمد عبد المعطي الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، مصر تاريخ النش أخبار فطاركة كرسي المشرق، من كتاب المجدل ، pdf. بسم الله الرحمن الرحيم كتاب: أخبار فطاركة كرسي المشرق، من كتاب المجدل المؤلف:عمرو بن متى ، ماري بن سليمان الناشر: مكتبة المثنى، بغداد عن نس الشّافية فِي علم التصريف ط البشائر لـ ابن الحاجب - تحقيق د. العثمان ، pdf. بسم الله الرحمن الرحيم كتاب: الشّافية فِي علم التصريف؛ ويليها الوافية نظم الشافية ط البشائر المؤلف: ابن الحاجب، جمال الدين بن عثمان بن عمر أدب الرحلات عالم المعرفة - د.


حسين فهيم ، pdf. بسم الله الرحمن الرحيم كتاب: أدب الرحلات عالم المعرفة المؤلف: د. حسين محمد فهيم الناشر: عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأد الأسطوانة 50 - كتب التاريخ والحضارة والجغرافيا ، pdf. الفوائد الضيائيّة المعروف بشرح الجامي في النحو وحا الفِعل المضارِع - جمال شاهين ، pdf الفعل المتعدّي بحرفي الجرّ من وعلى في القرآن الك تشجير المقدمة الآجرومية - بدر بن علي العتيبي ، pdf تشجير المنطق - عمر الصامل ، pdf شرح رفع ونصب الفعل المضارع، دروس من كتاب المختصر ف شرح النكرة والمعرفة، دروس في شرح الآجرومية للمبتدئ تحميل مؤلفات ابن الشجري ، pdf تحميل مؤلفات ابن الجوزي ، pdf إبن هانئ المغربيّ الأندلسيّ، شاعر الدولة الفاطمية إبن مقرّب العيوني، حياته وشعره - د. سامي المناعي ، إبن زهر الحفيد ؛ وشاح الأندلس - د. فوزي عيسى ، pdf إبن زمرك الغرناطيّ؛ سيرته وأدبه - د. أحمد الحمصي ، إبن المعتز؛ وتراثه في الأدب والنقد والبيان - د. عدو بلا وجه دار ميوزيك - أجاثا كريستى ، pdf شرخ في المرآة دار ميوزيك - أجاثا كريستى ، pdf شاهدة اثبات دار ميوزيك - أجاثا كريستى ، pdf سيدة القصر دار ميوزيك - أجاثا كريستى ، pdf سر المنبهات السبعة دار ميوزيك - أجاثا كريستى ، pdf الحضارة الإسلامية ومدى تأشرها بالمؤثرات الأجنبية الحسنيون في التاريخ القسم السياسى - محمد السعدي الحركات في لبنان إلى عهد المتصرفية - أبو شقرا ، pdf الحروب الصّليبية في المشرق والمغرب - محمد العروسي Copyleft © lisanarb مكتبة قولنجيل - All lefts Reserved.



الحملة الصليبية الأولى,قد يعجبك ايضا

Webكتاب الحملة الصليبية الأولى: نصوص ووثائق بقلم قاسم عبده قاسم اتبع فى تحرير هذا الكتاب منهج موضوعى ، إذ قسم الكتاب إلى أربعة أقسام يتناول كل قسم منها موضوعًا من موضوعات الحملة الصليبية الأولى Webمكتة قولنجيل تهتم بنشر الكتب المصورة وخاصة كتب اللغة العربية وعلومها والعلوم الشرعية Webتحميل كتاب الحملة الصليبية الأولى pdf الكاتب قاسم عبده قاسم موقع كل الكتب. كتاب الحملة الصليبية الأولى من تأليف قاسم عبده قاسم والحقوق الفكرية والأدبية للكتاب محفوظة للمؤلف Webتحميل كتاب تاريخ الحملة الصليبية الأولى PDF الرئيسية Reinhold Röhricht الحروب الصليبية تاريخ الحملة الصليبية الأولى هذا الكتاب ملكية عامة نُشر هذا الكتاب برخصة المشاع الإبداعي مع ذكر المؤلف والمصدر تاريخ الحملة الصليبية الأولى Webالحملة الصليبية الأولى ، هي أولى الحملات العسكرية التي شنتها قوات أوروبا الغربية لإستعادة مدينة القدس والأراضي المقدسة من سيطرة المسلمين ... read more



كتاب الجامع في أخبار القرامطة في الأحساء - الشام - العراق - اليمن التاريخ 23 شعبان هـ - 23 رمضان هـ 15 آب أغسطس م - 12 آب أغسطس م [la 1]. مؤرشف من الأصل PDF في 15 نوفمبر لكنَّ كميَّة الطعام التي كانوا قد نهبوها من قبل في هذه المناطق، أرهقت الموارد المحليَّة، فلم يجدوا ما ينهبونه، كما أنَّ المُسلمين بدأوا يُدافعون عن أرزاقهم بِشكلٍ مُنظَّمٍ، فكانوا ينقضُّون على فرق السلب والنهب ويُقاتلونها، [94] وبادر العديد منهم إلى نقل قُطعانهم ومواشيهم إلى الجبال البعيدة التي لم يكن الصليبيُّون قادرون على التوغُّل فيها، وإن قُدِّر لهم النجاح فإنَّهُ لم يكن من الهيِّن أن يغنموا شيئًا. الحملة الصليبية الثانية. Hindley, Geoffrey



وكانت قيليقية التي طالما دُمِّرت بلادها بِفعل الحُرُوب بين الروم والمُسلمين، قد عمَّرتها هجرة أرمنيَّة ضخمة في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي ، عندما اضطرَّت جُمُوعٌ غفيرةٌ من الأرمن - أمام فُتُوحات السلاجقة - إلى هجرة بلادهم حول بُحيرة الحملة الصليبية الأولى pdf والاتجاه جنوبًا صوب قيليقية. وَانْطَلَقَ بَقِيَّةُ اَلْعَسْكَرِ يَجُوسُونَ خِلَالُ اَلدِّيَارِ بَحْثًا عَمَّنْ لَا زَالَ حَيًّا مِنْ اَلتُّعَسَاء اَلَّذِينَ قَدْ يَكُونُونَ مُخْتَفِينَ فِي اَلْأَزِقَّةِ وَالدُّرُوبِ اَلْجَانِبِيَّةِ فِرَارًا مِنْ اَلْمَوْتِ، فَكَانُوا إِذَا عَثَرُوا عَلَيْهِمْ سَحَبُوهُمْ عَلَى مَشْهَدٍ مِنْ اَلنَّاسِ وَذَبَحُوهُمْ ذَبْحَ اَلشِّيَاهِ. ترجمة: الأب إسحٰق أرملة. وجرى اشتباكٌ بين الطرفين رجحت فيه الكفَّةُ الإسلاميَّة بدايةً. تفتت حكم أسرة كارولنجيون للإمبراطورية الرومانية المقدسة في القرون السابقة، بالإضافة إلى الثبات النسبي لحدود أوروبا بعد تنصر الفايكنج والمجريون، خلق طبقة كاملة من المحاربين الذين لم يعد لديهم عمل سوى قتال بعضهم البعض وإرعاب الاقنان الفقراء. طرابلُس - لُبنان : جروس پرس. Routledge, الحملة الصليبية الأولى pdf,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق